الماء والبعث وعجب الذنب
دكتور دسوقي عبد الحليم
العصعص أو عجب الذنب هي مجموعة من الفقرات الضامرة في نهاية العمود الفقري
أستاذ التكنولوجيا الحيوية المشارك بجامعة قطر
تعتبر قضية البعث من أخطر القضايا التي ناقشها الإسلام وأكد عليها القرآن الكريم أيما تأكيد، وفي كثير من آيات القرآن الكريم، أزال رب العزة "جل وعلا" الشبهات وضرب للناس الأمثال حتى يبين لهم ماهية عملية البعث ومنطقيتها وحتمية حدوثها، فيقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج﴾ (الحج 5)، ويقول عز وجل: ﴿ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير﴾ (التغابن 7)، ويقول سبحانه ﴿ وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا﴾ (الجن 7).
ويؤكد الله عز وجل في آيات أخرى أن لا شك مطلقاً في البعث فيقول: ﴿ وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور﴾ (الحج 7)، ﴿ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون﴾ (الروم 56)، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد﴾ (المجادلة 6)، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون﴾ (المجادلة 16).
لقد شغلت قضية البعث ليس فقط عامة الناس المؤمن منهم والكافر بل شغلت أيضاً عقول وفكر أنبياء الله عز وجل ورسله، فيذكر القرآن العظيم قصة نبي الله العزير فيقول: ﴿ أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير﴾ (البقرة 259)، ونرى ذلك أيضا في قصة أبي الأنبياء إبراهيم حين قال: ﴿وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم﴾ (البقرة 260).
كيف سيحدث البعث
البعث يمثل - في حد ذاته - صدمةً وتحدياً كبيراً لكلاً من الكافرين والمتشككين قديماً وحديثاً، فقد أثارت كيفية حدوث البعث – كما قلنا- فضول الجميع، وحتى يقرب الله عز وجل للناس الكيفية التي سيتم بها البعث بعد الموت ضرب أمثالاً متعددة مما نراه بأعيننا ونلمسه بأيدينا ونشتم رائحته بأنوفنا، فيقول جل وعلا في غير آية من القرآن الكريم: ﴿ فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير﴾ سورة الروم 50، ﴿ ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد، والنخل باسقات لها طلع نضيد، رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج﴾ ق 9-11، ﴿ والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون﴾ الزخرف 11(، ﴿ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور﴾ فاطر 9، ﴿يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون﴾ سورة الروم 19، ﴿وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون﴾ الأعراف 57، ﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير﴾ فصلت 39.
من الواضح أن الآيات الكريمات تتحدث في مجملها عن قضية البعث، وليس الحديث هنا كما ترون حديث أفعل ولا تفعل بل إنه حديث فكر وعقل وبرهان، فالآيات تتحدث عن إحياء الأرض بعد موتها وما كان لذلك أن يحدث إلا بوجود الماء.
ولو أردنا أن نستخلص المعلومات التي تحتويها الآيات الكريمات لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى بدأ القصة بالسحاب الذي يتراكم ويساق بأمر الله عز وجل فينزل المطر على الأرض اليابسة فتنمو فيها كل أنواع الثمار فتخضر بعد يبس وتنضر بعد شحوب وتؤتي أكلها بعد جدب، وفى جميع الآيات يعقب الله تعالى بأن الإنسان سيعاد أحياءه يوم البعث بنفس الطريقة حيث كرر جل وعلا القول: ﴿ كذلك الخروج﴾، ﴿ إن الذي أحياها لمحيي الموتى﴾، ﴿ كذلك يحي الله الموتى﴾ ، ﴿ كذلك تخرجون﴾، ﴿ كذلك النشور﴾
الإنسان خلق من تراب
إننا نرى في آيات الله السابق ذكرها دعوة من الله عز وجل لنا نحن المسلمون ولغيرنا من أبناء الأديان والنحل الأخرى أن نعقد المقارنات، ونجري الحوارات والمناقشات حول كيفية إنبات النبات في الأرض الجدباء المتشققة الخاشعة المتصدعة، وذلك بعد نزول المطر عليها، والنتيجة الحتمية التي سنصل إليها جميعاً هي أن الأرض ستخضر وتؤتي أكلها وتنبت فيها الحدائق الغناء ذات البهجة.
نعم إذن اتفقنا، وعليه فان خروجنا من مراقدنا يوم القيامة لن يكون أبعد ولا أصعب من ذلك، بل إنه لكذلك وبهذه البساطة واليسر. ولنستجلي معاً الحقيقة دعونا نتناول قضية البعث وإحياء الموتى من خلال عقد مجموعة من المقارنات والمقابلات، لعل هذا يرشدنا بشكل أبسط وأسرع لكيفية حدوثه، وإمكانية حدوثه أيضاً.
وهنا نطرح السؤال التالي، من أي شيء خلقنا الله؟ وما هو الوسط أو البيئة التي كانت فيها النشأة الأولي، للإنسان الأول؟، والإجابة قد لا يختلف عليها اثنان، نحن نبتنا من الأرض وخلقنا الله من تراب، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم وهو أصدق القائلين: ﴿ وهو الذي أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا﴾ ويقول تبارك وتعالي ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ﴾. إذن الوسط الذي نبتنا فيه هو الأرض والمادة التي خلقنا الله منها هي التراب.
وبالتحليل العلمي الدقيق لمكونات الأرض أو كما ذكر في الآية الكريمة "التراب" نجد أنه يحتوي علي مكونات معدنية مثل، الهيدروجين، النتروجين، الأوكسجين، الكربون، الكالسيوم، الصوديوم، الكلور، الماغنسيوم، اليود، الحديد، الفوسفور، النحاس، البوتاسيوم، السليكون، والكبريت.
وليس عجيباً أبداً أن يكتشف علماء الكيمياء التحليلية أن مكونات جسم الإنسان المعدنية تكاد تتطابق مائة بالمائة مع المكونات المعدنية للتراب. وليس مستغرباً أيضاً أن نجد تشابهاً بين المكون الصلب والسائل في كلاً من الأرض والإنسان، فنسبة اليابسة إلى الماء على كوكب الأرض هي29% يابس: 71% ماء، ويا سبحان الله فإن هذه النسبة تكاد تتطابق مع نسبة المواد السائلة إلى نسبة المواد الصلبة في جسم الإنسان البالغ، وكأن الإنسان (أي إنسان) ما هو إلا قطعة ممثلة لأصله الأرض، وكما أن الأرض لا تنبت زرعاًً ولا كلأً إلا في وجود الماء، فكذلك أبن الأرض - الإنسان - قد يعيش بدون طعام لمدة أقصاها أسبوعين ولكنه لا يمكن أبدا أن يعيش لأيام تعد على أصابع اليد الواحدة بدون الماء (إكسير الحياة).
أوجه التشابه بين الإنسان والنبات