أيها الأحباب: القرآن العظيم هو كتاب الله الخالد ودستوره السماوي الجامع.. ولو اردنا أن نتحدث عن بعض فضله لما استطعنا ولضاق بنا المقام. والسؤال: كيف نفهم القرآن؟ وكيف نتعامل معه؟ كيف نتأثر به؟ كيف نعمل به؟..
معلوم أن القرآن هو آخر كتاب سماوي انزله الله لأهل الأرض، وهو كلام الله الموحي الى نبيه صلى الله عليه وسلم.. خاتم النبيين.. فلذي يقرأ القرآن يجب ان يستحضر أنه يسمع كلام الله مباشرة.
ان القرآن يشكونا الى الله لأننها هجرناه ووضعناه فوق الأرفف وفي السيارات.. تعالوا بنا نتعرف على بعض فضل القرآن العظيم.
يقول تعالى:{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا} الاسراء 82.
ويقول سبحانه:{ وإنه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} فصلت 41-42.
ويقول جل وعلا:{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} النحل 89.
ويقول تعالى:{ قل هو للذين ءامنوا هدى وشفاء} فصلت 44.
والآيات غير هذه في فضل القرآن لكثيرة.. فالقرآن شفاء وهداية ورحمة ونور وفرقان وتبيان لكل شيء وبرهان.. فهل يستشعر المسلم كل هذه المعاني عندما يقرأ القرآن؟
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:" انها ستكون فتنة – أي ستحدث فتن شديدة _ يقول علي رضي الله عنه: قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:" كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.. هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم.. من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم.. لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة.. ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأنقياء، ولا يبلى على كثرة الرد" رواه الدارمي 2\435.
سبحان الله!! لا أحد يمل من قراءة القرآن مهما قراه، ولو قرأه بقلب حاضر وفكر ثاقب لخرج في كل مرة بمعان جديدة.. وفوائد جمة.. لا تنقضي عجائبه،، وهو الذي لم تنته الجن اذ سمعته حتى قالوا:{ انا سمعنا قرآنا عجبا* يهدي الى الرشد فآمنّا به} الجن 1-2.. سبحان الله!. الجن لما سمعت القرآن آمنت به! والناس الآن يرمون كل مصائبهم وكل أمراضهم على الجن!! هذا عن فضل القرآن.. فماذا عن فضل قراءته؟!..
فضل قراءة القرآن من السنة المطهرة:
يقول النبي صلى الله عليه وشلم:" اقرأوا القرآن فانه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" رواه مسلم 1871 والامام أحمد5\249. فتخيّل أن القرآن العظيم هو شفيعك يوم القيامة، لا أبوك ولا أمك ولا أخوك، ولا أحد من الصالحين.. بل ان شفيعك هو القرآن.. ونعم الشفيع القرآن.
ويقول صلى الله عليه وسلم:" يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمهم سورة البقرة وآل عمران تحاجان هن صاحبهما" رواه مسلم 1873 والامام أحمد 4\183. أي تدافعان عنه وتشفعان فيه.
وفي حديث آخر..:" تأتي سورة البقرة وآل عمران كغمامتان أو أو كغيايتان أو كفرقان من طير صواف". رواه مسلم1871.. أي كالطيور المتراصة تحمي صاحبها من حر الشمس يوم القيامة.
ويقول سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم:" لا حسد ( أي لا غبطة) الا في اثنتين ( أي لا يتمنى المسلم أن يكون الا كمثل أحد الرجلين): رجل أتاه الله القرآن، فهو يقرؤه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" رواه البخاري 7529 ومسلم 1891 والترمذي 1936.
ويقول صلى الله عليه وسلم:" ان الذي ليس ي جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب".. فهل يرضى أحد بالخراب؟! وهل يتصور ان يمر على مسلم يوم لايقرأ فيه شيئا من القرآن؟! وإذا حدث هذا فما دليل ارتباطه بهذا الدين اذن؟ّ هل مجرد الاسم؟!
ويقول صلى الله عليه وسلم:" من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" رواه الترمذي 2910. وقوله تعالى:{ بسم الله الرحمن الرحيم} به 19 حرفا، اذن بتسع عشرة حسنة! إذن فكم من ثواب الربع وكم ثواب الجزء وكم ثواب القرآن الكريم كله؟! بحسبة بسيطة يمكن أن تحصّل 700 ألف حسنة في 35 دقيقة تقرأ فيها جزءا من القرآن!! فياله من فضل عظيم نحن عنه غافلون!
ويقول صلى الله عليه وسلم:".. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده". رواه مسلم 6793 وابو داود 1455. ويقول العلماء: وهذا الفضل ليس قاصرا على مجالس القرآن في المساجد فقط بل وفي البيوت أيضا! فما المانع أن نخصص ربع ساعة فقط أو نصف ساعة للقرآن وبقية وقت الزيارات المنزهة للحديث؟ّ.
ويقول صلى الله عليه وسلم:" أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" رواه الامام أحمد 3\138. يعني أولياء الله.. ومعنى أهل القرآن أي: الذين يحفظونه ويقرأونه دوما..
يقول صلى الله عليه وسلم:" يقال لصاحب القرآن: اقرأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبو داود 1464 والترمذي 2914 والامام أحمد 2\192. وهذا الترقي يكون في درجات الجنة على قدر ما يحفظ من كتاب الله تعالى: والقراءة في الجنة تكون بتأن وترتيل وتمهل؛ لأنه لا عجلة كما كان العض يتعجل عند قراءة القرآن في الدنيا... وأكثر الناس قراءة للقرآن وحفظا له وعملا به في الدنيا، هم أعلى الناس درجات واسماهم منازل في الجنة.
هذه بعض وليس كل الأحاديث الواردة في فضل القرآن العظيم، والحديث الآن عن:
واجبنا نحو القرآن:
لا شك أن للقرآن حقا عظيما، بل حقوقا عظيمة علينا معشر المسلمين..
سيقتصر حديثنا على خمس واجبات، ليتنا نحصيها ونحفظها ونطبقها في حياتنا:
الأول: كثرة القراءة وتحديد ورد ثابت كل يوم:
والسؤال: هل هناك مسلم لا يمكن أن يختم القرآن في حياته؟! هذه مصيبة كبرى! وأنا أسألك أيها القارئ الكريم: أتذكر آخر مرة ختمت فيها القرآن؟! أخشى أن تكون ختمة رمضان الماضي؟!.. وأن يكون مصحفك قد وضع على الرف بعد رمضان وعلاه التراب.. واحذر أن يشهد عليك القرآن أنك هجرته يوم القيامة!! وماذا تفعل لو لم تقرأ وردك اليومي؟!
بعض الصحابة كان اذا فاته ورده يبكي.. وقد دخلوا على أحدهم ذات مرة فوجدوه يبكي بشدة، فسألوه: أتشتكي وجعا؟ قال: أشد.. أشد، قالوا: وما ذاك؟ قال: نمت بالأمس ولم أقرأ وردي، وما ذلك الا بذنب أذنبته!!
ان كثيرا من الناس يقضون أوقاتا طويلة في قراءة الجرائد.. وقد ينزلون بالليل لكي يحصلوا على صحيفة الغد بتلهف واهتمام! فلماذا لا يحظى كتاب الله ولو بمثل هذا الاهتمام؟! أتزهد في ثواب القرآن؟؟؟؟! وبعض الناس يضيع وقته في التفكير والنظر الى لا شيء وإذا سئل يقول: لا أجد شيئا أعمله!! وهل نسي المسكين كتاب الله؟.
روي أن عبدالله بن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ فقال:" في ثلاثين" أي تقرأ كل يوم جزءا؛ فقال ابن عمر: في ثلاثين! إني أطيق أكثر من ذلك! (وانظر الى هذا النهم وهذا الحب وهذه اللهفة على قراءة القرآن) فقل:" ففي عشرين" قال: اني أجد قوة ( انا أقوى من هذا) قال:" ففي عشر"، فقال: فإني أطيق اكثر من ذلك! فقال:" ففي خمس" قال: يا رسول الله: إني أطيق أكثر من ذلك! قال صلى الله عليه وسلم:" في ثلاث ولا أقل من هذا".. وقال صلى الله عليه وسلم:" من قرأه في أقل من ثلاث لم يفقهه". رواه الامام أحمد 2\164.
ولهذا أيها الأحباب، لا ينبغي أن تكون مدة ختام المسلم للقرآن في أقل من ثلاث ولا في اكثر من شهر؛ طبقا للحديث السابق ذكره.
ونحن لا نطالب بأن نكون كالصحابة.. الأمر يحتاج الى تدرج، ومن لا يقرأ القرآن وليس له ورد فليبدأ ولو بربع ثم بحزب ثم يجزء.. وإن استطاع أن يقرأ بعد ذلك جزئين أو ثلاثة في اليوم فبها نعمة وله ثواب الأجر:{ إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف 30.
الثاني: تعلم قراءة القرآن:
وهذا الأمر ليس صعبا، فمعظم الناس قد يتعلمون الانجليزية أو الفرنسية، فلماذا يصعب عليهم تعلم القرآن الذي نزل بلغتهم وحديثهم اليومي؟! ولاذا يصير كلام الله الذي يقول عنه تعالى:{ ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مّدّكر} القمر 17 لماذا يصير صعبا عليك!!
لا شك أن كل واحد يعرف الاجابة عن هذا السؤال.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري 5027 وأبو داود 1452 والامام أحمد 1\58. فأحسن المسلمين من تعلم كيف كيف يقرأ القرآن ثم علمه لغيره..
ويقول صلى الله عليه وسلم:" الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" رواه البخاري 4937 ومسلم 1859 والترمذي 2904. (اجر القراءة وأجر المشقة)! ومعنى يتتعتع: أي يتلجلج ويضطرب.